بسم الله جل جلاله .. وبه أستعين .. قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد، وجليل خطابه الحميد: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر-9)، وقال مولانا وسيدنا الإمام الرضا (عليه السلام): [الدنيا كلها سراب ماعدا مواقع العلم، والعلم كله حجة ماعدا مواقع العمل، والعمل كله هباء ماعدا مواقع الإخلاص، والمخلصون في خطر]، صدق اللهُ ورسولُهُ وأهلُ بيتِ الرسالة الذي أذهبَ اللهُ عنهم الرجسَ وطهرهم تطهيراً. لا يخفى على كل مؤمنٍ ما أفاده أهل الإفادة، إن ما أوضحه الإمام من بيان كافٍ لا لَبْسَ فيه ولا غموض، إن الدنيا كاسمها دنياً وإن علت، فهي كالدخان الذي يعلو على طبقات الجو وهو وضيع، ولكن الذي يزينُ الدنيا هو العلم الذي ينفعُ ويشفع، ثم استدرك فقال: ما كل علم هو ينفع ولا كل علم يشفع، وهذا ثابتٌ بالضرورة، لأن العلم النافع هو ما قال عنه سبحانه في كتابه: (وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد-17). ولا شك إن ما قام به السيد العدناني، الخطيبُ العالم، والعالمُ الخطيب، الذي عرفتُهُ وعرفَهُ كلُّ من حوله من أهل العرفان، إنه من السابقين الأوائل في ساحة الخطابة، فكم تخرج على يده الكثير من الخطباء في البحرين وغيرها، وكم ضمَّ بيتُهُ ومجلسُهُ من أدباء، وكان رضوان الله عليه ما دُعِيَ يوماً لمكرمة إلا وأجاب، وكم له من كتابٍ نافعٍ سهلِ السبيل، سلسٍ في التعبير، وفتح البابَ للعاملين في الميدان الرحب، وقد كان رحمه الله صريحاً في القول لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وقد عرفتُهُ بالصراحة في كلمة الحق، وكم وقف من مواقف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وناقش نقاشاً علمياً مثمراً مدعَّماً بالأدلة قولاً وفعلاً، وتشهد له مؤلفاتُهُ وآثارُهُ، وقد قال عنه الشاعرُ: تلك آثارُنُا تدلُّ علينا فاسألوا بعدنا عن الآثارِ ومن مواقفه أنه أول من نصر صلاة الجمعة قبل الخطباء، وشاركه في ذلك ثلاثة من المشهورين، العميد الأول هو شاعر أهل البيت (عليهم السلام) الذي سد الفراغ وفاق على الدعاة في ميدان الشعر الحسيني، الخطيب المشهور على كل لسان، المرحوم ملا عطية بن علي الجمري، والثاني المرحوم ملا عبد الحسين العرادي شريكه في البيان والتبيان، وهو الثالثُ من مشاهير الخطباء في البحرين، وأصبحت مشاركته في الدعوة إلى صلاة الجمعة قولاً وعملاً ودعايةً ونشراً، حيث إنه رحمه الله تابعها متابعةَ الفصيلِ لأمّه، وتولى الأذانَ الثاني فيها وقراءة الدعاء فلا يسبقه سابقٌ مهما كانت قدرته، ولا يلحقه لاحقٌ، وهي –الجمعة- التي أعطته الدعمَ القويَّ فكان يقفُ منها موقف المدافع ، وما تخلف عنها إلا لعارض شرعي، حتى أنشد فيها القصائد الجليلة، وآخرها قصيدته في صلاة الولد الشيخ ناصر عندما ابتدأ في إقامتها في الجامع الكبير في عالي الذي بناه الوجيه الحاج أحمد منصور العالي، وكنت من المصلين خلفه، ونشر تلك القصيدة لأهميتها لوحدها وأطرها بإطار وأرسلها مستقلة، وهو معجب بها، وحقَّ له أن يُعجب بها وبإنشادها، لأنه من عشاقها، فهنيئا لعشاق الجمعة، وترى ذلك في ذريته الصالحين، وليس بالغريب على أهل هذا البيت العدناني الذين قال عنهم القائل عن الله جلَّ شأنه: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، حتى بلغ من حرصه على الحضور أنه يعتذرُ إذا غاب عنها، وهو أهل لإقامتها لأنه مطلع على أحكامها، بل مجتهد في أدلتها، وما سألوه -رحمه الله وأجزل ثوابه- عن مسألة تتعلق بموضوع علمي إلا وأتى بالأدلة العلمية، وهو يستحضر الأدلة التفصيلية عن طريق الاستدلال العلمي والتاريخي معا، وقلَّ أن تجد في الخطباء الحسينيين شبيها له، من الاستحضار العلمي والإجابة السريعة وكأنه ينظر إلى المسائل العلمية، إلا القليل النادر، فلا يلحقه ملل ولا كلل، ولعله بات ساهرا طيلة ليلته من أجل مسألة واحدة، وإني وجدته يكتب في فنون العلم والمزايا، وكان من التواضع بمكان مكين، وهو من بلغ درجة في الفقه عالية، حيث يشهد في حقه الكثير، علاوة على ذلك إنه الشبل من ذلك الأسد، أعني به والده السيد عدنان الموسوي الذي قد بلغ رتبة الفقاهة وهو في سن مبكرة، وأصبح علما من الأعلام، وفقيها بارعا، تشهد في حقه إجازاتُهُ العلمية من الفقهاء البارزين، ومؤلفاته سيما كتاب (مشارق الشموس الدرية). فرحم الله سيدنا العدناني، وتغمده بواسع رحمته، وألهم أهله الصبر والسلوان، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حرره بحوزة العلمين في المنطقة الوسطى
أحمد الشيخ خلف آل عصفور
من موقع الشيخ احمد ال عصفور
بتاريخ 24 محرم 1428هـ الموافق 13/2/2007م